إن الأصوات تأتي إلينا بتموجات الهواء، وإن هذه التموجات منها الشديد ومنها الضعيف، ومنها ما يأتي عموديا، ومنها ما يأتي جانبيا، فخلق الله تعالى (صيوان الاذن) وجعله غضروفيا بين العظم واللحم، وجعل فيه ليتلقا امواج الصوت ويعكسها من طية الى لية ويوصلها الى (الصماخ) طيات وليات. وعلم سبحانه بأن الرياح التي تحمل الصوت من الممكن أن تكون عنيفة، وقد تحمل معها مؤذيات مثل غبار وحشرات فجعل سبحانه (الصماخ ) متقوسا نحو الاعلى وجعل في فمه سياجا من الشعر، وفي باطنه الشمع؛ ليلتقي صدمة الرياح بانحرافه، وبالشعر والشمع المؤذيات، فلا تصل الى غشاء الطبلة الرقيق. وعلم سبحانه أن بعض الأصوات قد تكون ضعيفة فجعل من (الصماخ) بشكله الكهفي المملوء بالهواء وسيلة لمضاعفة الصوت (التصدية) على النحو الذي نسمعه في الحمامات والكهوف من ضجة الصوت الضعيف يرجع الصدى، وعلم سبحانه أن الغشاء المتوتر كالطبل هو أفضل الأجسام الصلبة في توصيل الصوت، فخلق (غشاء الطبلة) و(غشاء الكوة البيضية) والأغشية الأخرى في الأذن الداخلية. وعلم سبحانه انه اذا تثبت جسم صلب صغير في طرف غشاء مشدود متوتر أوصل الاهتزازات الصوتية على وجه أفضل فخلق سلسلة من ثلاث عظيمات وربطها بين (غشاء الطبلة) وغشاء (الكوة البيضية). وعلم سبحانه أن كل جسم صلب محاط بوسط مختلف عنه في الجوهر يرسل الاهتزازات بجوهره باشد مما يرسلها في الوسط المحيط به، فجعل العظيمات الثلاث معلقة في الهواء يحيط بها ويفصلها عن عظام الراس، وفعل مثل ذلك في (الصفيحة اللولبية ) فاحاطها بسائل مختلف عنها في الجوهر كي لا تنقل الاهتزازات السارية في العظيمات والصفيحة اللولبية الى عظام الجمجمة وتتبدد فيها. وعلم أن سلسلة العظيمات قد تصاب بما يعطل عملها في نقل الصوت من غشاء الطبلة الى غشاء الكوة البيضية؛ فخلق (الكوة المستديرة) وغطاها بغشاء يساعد على إيصال الصوت الى الأذن الداخلية، وجعل لكل كوة من الكوتين طريقا في داخل (القوقعة). وعلم أن الشكل الحلزوني اللولبي هو الشكل الأصلح لانتشار الألياف العصبية السمعية على مساحة متسعة ضمن جسم صغير في حيز ضيق فخلق (القوقعة)، وجعل فيها القنات اللولبية سلمين مستطرقين يصعد أحدهما الدهليزي من (الكوة البيضية) وينزل الاخر الطبلي الى (الكوة المستديرة)، وجعل في (القنات اللولبية) (الصفيحة اللولبية العظمية الغشائية) التي تفرز سائل اللمفا. وعلم أن بعض الاصوات تأتي من الجمجمة؛ فخلق (القنوات الهلالية) لتساعد على جمع التموجات الصوتية الآتية من الجمجمة، وتوجه سير الاصوات حسب اتجاه تجاويفها المنحنية وتوصلها الى أعصاب السمع المنتشرة في سوائلها وسوائل القوقعة، وخلق الزقين الغشائيين المملوئين باللمفا، وجعل في أحدهما الحجرين الاذنيين المتباورين ليزيدا بصداهما شدة الهزات الصوتية. وعلم سبحانه أن للهواء ضغطا خارجيا قويا يؤذي غشاء الطبلة إن لم يقابل من داخل الأذن الوسطى بهواء يعادله ويقاومه ويحفظ الموازنة في ضغط الهواء وحرارته فاذا حصل زفير أو شهيق طويل وكان الأنف والفم مسدودين فيتوتر الغشاء الطبلي ويتحدب نحو الخارج عند الزفير، ونحو الباطن عند الشهيق، فيتشوش السمع، فخلق سبحانه بوق (اوستاكيوس) وأدخل منه الهواء الى الأذن الوسطى، وجعل من هذا البوق في الوقت نفسه موضحا للأصوات كما توضح ثقوب الالة الموسيقية أصواتها، وجعله منفذا للمخاط الذي يفرز من باطن الطبلة. فسبحان الله الحكيم العليم القدير الذي خلق كل هذه الاسرار والطبائع والنواميس التي لم يعرفها العلماء الى بعد آلاف السنين من خلق الانسان. المراجع: كتاب (قصة الايمان بين الفلسفة والعلم والقرآن) للشيخ نديم الجسر (رحمه الله) مفتي طرابلس ولبنان الشمالي.